خرج الإمام أحمد والنسائي من حديث أسامة بن زيد قال: كان رسول الله يصوم الأيام يسرد حتي نقول لايفطر, ويفطر الأيام حتي لايكاد يصوم, إلا يومين من الجمعة إن كان في صيامه, وإلا صامهما, ولم يكن يصوم من الشهور ما يصوم من شعبان فقلت: يا رسول الله, إنك تصوم لا تكاد تفطر, وتفطر حتي لا تكاد تصوم إلا يومين إن دخلا في صيامك وإلا صمتهما قال: أي يومين؟ قال: يوم الاثنين, ويوم الخميس, قال ذانك يومان تعرض فيهما الأعمال رب العالمين, وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم قلت: ولم أراك تصوم من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان, وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلي رب العالمين عز وجل, فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم
هذا الحديث يتضمن صيام سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم في السنة كلها, وصيامه من الشهور, وصيامه من الأسبوع.
صيامه في السنة: كان يسرد الصوم أحيانا ويفطر أحيانا, فيصوم حتي يقال: لا يفطر, ويفطر حتي يقال: لا يصوم, وقد روي أيضا عن عائشة, وابن عباس, وأنس وغيرهم, رضي الله عنهم أجمعين. في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يصوم حتي نقول: لا يفطر, ويفطر حتي نقول: لا يصوم, وعن أنس أنه سئل عن صيام النبي صلي الله عليه وسلم فقال: ما كنت أحب أن أراه من الشهر صائما إلا رأيته, ولا مفطرا إلا رأيته, ولا من الليل قائما إلا رأيته, ولا نائما إلا رأيته.
وكان عليه الصلاة والسلام ينكر علي من يسرد صوم الدهر ولا يفطر منه, ويخبر عن نفسه الشريفة أنه لا يفعل ذلك ففي الصحيحين عن عبدالله بن عمرو أن النبي صلي الله عليه وسلم قال له: أتصوم النهار وتقوم الليل؟ قال: نعم, فقال النبي صلي الله عليه وسلم: لكني أصوم وأفطر واصلي وأنام, وأمس النساء, فمن رغب عن سنتي فليس
هكذا قال النبي صلي الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص لما كان يصوم الدهر, فنهاه, وأمره أن يصوم صوم داود يصوم يوما ويفطر يوما وقال له لا أفضل من ذلك فأفضل الصيام ألا يستدام بل يعاقب بينه وبين الفطر.
وقد أشار النبي صلي الله عليه وسلم إلي الحكمة من ذلك من وجوه:
منها: قوله صلي الله عليه وسلم: لاصام ولا أفطر يعني أنه لايجد مشقة الصيام, ولا فقد الطعام والشراب والشهوة, لأنه صار الصيام عادة مألوفة, وربما تضرر بتركه, فإذا صام تارة وأفطر تارة حصل له بالصيام مقصوده بترك الشهوات, وفي نفسه داعية إليها, وذلك أفضل من أن يتركها ونفسه لا تتوق إليها.
ومنها: قوله صلي الله عليه وسلم في حق داود عليه السلام: كان يصوم يوما ويفطر يوما, ولا يفر إذا لاقي أي لا يضعفه الصيام عند ملاقاة العدو.
فأفضل الصيام ألا تضعف البدن حتي يعجز عما هو أفضل منه, من القيام بحقوق الله تعالي, أو حقوق عباده اللازمة, فإن ضعف عن شيء من ذلك مما هو أفضل كان تركه أفضل, مثل أن يضعف عن الصيام عن الصلاة, أو عن الذكر, أو عن العلم, كما قيل في النهي عن صيام يوم الجمعة ويوم عرفة بعرفة, وقد نص الائمة الأربعة علي أن طلب العلم أفضل من صلاة النافلة, والصلاة أفضل من الصيام المتطوع به, فيكون العلم أفضل من الصيام بطريقة أولي, فإن العلم مصباح يستضاء به في ظلمه الجهل والهوي.